للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} , كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْهُمْ.

===

فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} (١) كان النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم).

وكتب مولانا محمد يحيى المرحوم في "التقرير": في هذه الروايات تدافِعُ، فقد صرح في الأولى منها أن اليهود جاءوا بأنفسهم قبل أن يفعلوا ما كانوا يفعلونه فيهم إذا زنا أحد منهم، وفي الثانية تصريح بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالمسألة حين رآهم فعلوا ما فعلوا، ثم إن في الثانية تصريحًا بأنهم دعاهم فسألهم، والثالثة مصرِّحة بأنهم دعوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في القف، وفي الرابعة أنهم أتوه وهو في المسجد، ولا يمكن حملها على تعدد الواقعة؛ لأنه لا يمكن أن يكون ابن صوريا ينكر في كل مرة بعدَ ثبوتِ الرجم في التوراة حتى يفتقر إلى إثباته ثانيًا، وثالثًا، ورابعًا، وقد ثبت أنه الذي ناظره النبي - صلى الله عليه وسلم - وناشده.

والجواب أنهم كانوا شاوروا فيما بينهم أن يأتوه، ويستفتوا منه - صلى الله عليه وسلم -، فلعله أن يأمرهم بأمر هو أسهل مما هو واجب عليهم بحكم التوراة، وذلك لِمَا رأوا في شريعته - صلى الله عليه وسلم - من السهولة واليسر ما ليس في شريعتهم، فلما أتوه وسألوا أمرَهم بالرجم تعزيرًا حيث علم بشيوع الفاحشة فيهم فذهبوا، وَلَمَّا لم يروا فيه تخفيفًا فعلوا ما كانوا يفعلون، فاتفق أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى اليهودي الذي استفتوا فيه على حمار، وهو محمَّم وجهُه، فتعجب بما فعلوا حيث لم يعملوا بما أُمِروا، فطلب اليهودَ وسألهم عن ذلك، فكان من أمرهم ما كان، ثم بدا له أن يذهب بنفسه إليهم، وأرسلوا إليه - صلى الله عليه وسلم - يطلبونه، فروى كل من الرواة ما روى، ولا يرد رواية على رواية, والله تعالى أعلم.

ثم لا يخفى أن هذا كان تعزيرًا عليهم، ولم يكن الحكم على أهل الذمة جزمًا بعدُ، بل كان مخيَّرًا بين أن يحكم فيه وأن لا يحكم، وكان ذلك الحكم لمحاكمتهم إليه، ثم (٢) وجب بعد ذلك على الإِمام أن يحكم بين أهل الذمة


(١) سورة المائدة: الآية ٤٤.
(٢) يشكل عليه ما تقدم في هامش (١١/ ٣١٥) في "باب الحكم من أهل الذمة" من أن الإِمام مخيَّر عند مالك، وعندنا يحكم بينهم إذا ترافعوا, وللشافعي ثلاثة أقوال؛ هذان، والثالث: يجب عليه وإن لم يترافعوا. (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>