الحديث الأول الذي رواه جابر بن عبد الله يقول:"قربت للنبي - صلى الله عليه وسلم - خبزًا ولحمًا فأكل، ثم دعا بوضوء فتوضأ به، ثم صلَّى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه فأكل، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ".
فهذا يدل على أن ترك الوضوء بما مسته النار كان آخر الأمرين في ذلك المجلس لا مطلقًا، فلا يستدل به على النسخ, لأنه يمكن أن يكون قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الوضوء مما مست النار" أو "توضؤوا مما مست النار"، ورد بعد هذه القصة.
قلت: وهذا الظن ناشئ من غير دليل يدلس عليه، فإن هذا الظن موقوف على ثبوت أن وضوءه - صلى الله عليه وسلم - بعد أكل الخبز واللحم أولًا كان لأجل الأكل، وهو في حيز المنع، بل يحتمل أن وضوءه - صلى الله عليه وسلم - لوجود حدث آخر لا لما أكله، ولو سلم ذلك فلا نسلم أن هذا الفعل ليس هو آخر الأمرين مطلقًا بل مختص بذاك المجلس، ونقول: إن هذا الفعل الذي ثبت في هذا المجلس هو آخر الفعلين مطلقًا، ما دام لم يثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل أو أمر بخلافه بعد ذلك المجلس، ولم يثبت هذا.
فلو سلَّمنا أن هذا الحديث اختصار من الحديث الأول لا يضرنا، وقد استدل به المحققون من الأئمة بنسخ الوضوء بما مسته النار بهذا القول وبأمثاله من أقوال الصحابة وأفعالهم -رضي الله عنهم-.
قال البيهقي في "سننه"(١): قال الزعفراني: قال أبو عبد الله الشافعي: وإنما قلنا: لا يتوضأ منه, لأنه عندنا منسوخ، ألا ترى أن عبد الله بن عباس، وإنما صحبه بعد الفتح، يروى عنه أنه رآه يأكل من