وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأبي خيثمة، وسفيان الثوري، وأهل الحجاز، وأهل الكوفة إلى أنه لا يجب الوضوء بأكل ما مسته النار، ولا ينتقض به، وذهبت طائفة إلى وجوب الوضوء الشرعي مما مسته النار.
واستدل الآخرون بالأحاديث التي فيها الأمر بالوضوء مما مسته النار، وأجاب الأولون من ذلك بجوابين: الأول: أنه منسوخ بحديث جابر، الثاني: أن المراد بالوضوء غسل الفم والكفين، قال النووي: ثم إن هذا الخلاف الذي حكيناه كان في الصدر الأول، ثم أجمع العلماء بعد ذلك على أنه لا يجب الوضوء من أكل ما مسته النار.
واعترض الشوكاني (١) على الجواب الأول بأن الجواب الأول إنما يتم بعد تسليم أن فعله - صلى الله عليه وسلم - يعارض القول الخاص بنا وينسخه، والمتقرر في الأصول خلافه.
قلت: هذا من الظنون التي لا مستند لها يُشَدُّ به هذا الظنُّ، فإن دعواه أن وجوب الوضوء وقوله - صلى الله عليه وسلم - فيه خاص بنا لا يثبت إلَّا بدليل صريح يثبت الخصوصية، وما لم يثبت لا يكون خاصًا بنا، وأما إذا ثبت الخصوص فلا يعارض فعله - صلى الله عليه وسلم -، فما هو متقرر في الأصول فمسلَّم، ولكن ليس هذا موضعه.
واعترض على الجواب الثاني بأنه قد تقرر أن الحقائق الشرعية مقدمة على غيرها، وحقيقة الوضوء الشرعية هي غسل جميع الأعضاء التي تغسل للوضوء، فلا يخالف هذه الحقيقة إلَّا لدليل.