للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ثم إن الروايات مختلفة أيضًا في بذل الدية ممن كان، والأصل أن اليهود لم يَثبتْ عليهم شيء لعدم البينة، وكانوا مُستعدِّين للأيمان، إلَّا أن أولياءَ المقتول لم يَقبلوها منهم، وكان ذلك حقًّا لهم، فسقطتْ أيمانُهم بإسقاط هؤلاء، إلا أن اليهود بَذَلوا من المال شيئًا ظنًّا منهم أن القصة مُنجرّة إلى أزيد من ذلك.

وقد خافوا على أنفسهم ثبوت المدعى، حيث وُجد القتيلُ فيهم فأحبوا أن يسلموا من ذلك بما بذلوا، وقَبِله النبيُّ- صلى الله عليه وسلم - منهم لما علم أنه لو لم يثبتْ عليهم المدعى، وهو الظاهر لعدم بيان البينة وعدم مبالاة هؤلاء بالأيمان لسلموا من غير شيء، ولم يُرزأوا في مال ولا نفس، فهذه حقيقة القصة.

ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - أكمل دِيَتَه من عنده، فمن أنكر الأخْذَ من اليهودية، فإنما أنكر أَخْذ كلها، وبعد ثبوتها حسب القاعدة المقررة شرعًا، ومن أثبتَ أَخذَها منهم، فإنما قصد بذلك أخْذَ شيء من ذلك.

ومما ينبغي التنبيه عليه أن خيبر إذ ذاك كانت لم تفتح بعد، وكان الأقوام فيما بينهم تعاهُد، كما يدل عليه قوله في الرواية: "فأْذَنُوا بِحَرْبٍ من الله ورَسولِهِ"، إذ لو كانت مفتوحةً لَمَا افتقر إلى الحرْب والإيذان، بل كانوا أَذِلاء يخرجهم المسلمون من أرضهم حيث شاؤوا, ولذلك لم يتتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - قصة القتيل هذه حق التتبع، لكون القوم على سواء فلو بُولِغَ فيها, لاحْتَمَل أول الأمر إلى القتال والجدال، وكان فيه خِلافُ المصلحة.

وعلى هذا فلا يرد على الحنفية ما أورد: من أن مذهبَكم في القَسَامة تَحْليف الملاك لا السكان، وههنا قد حلف السكان ولم يتعرض بالملاك، وهم المسلمون، وإنما جرى أمر القسامة عليهم لِمَا أن القوم كانوا معاهدين، وكانت القسامة شائعة في الجاهلية على النحو الذي قلنا، فلا يورد أنها لو لم تفتح بعد لَمَا قبلوا ذلك منهم؛ لأنهم كانوا غير مقدورين عليهم، انتهى كلامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>