للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد درج السلف على أن يجتهد كل في العمل بالكتاب والسنَّة بقدر ما أراه الله، وما منحه من فهم في الكتاب والسنَّة. وكانوا يختلفون وهم أحباب. لا يفرض أحد رأيه على الآخرين. ولكن يتفاهمون فيما بينهم، ويرجع بعضهم إلى بعض، ويتراجعون فيما بينهم. ذلك لأن الله نزههم عن العصبية للنفس، والإعجاب بالرأي.

وقد قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (١).

وحفظ كتاب الله تعالى، تكفل الله به عز شأنه. تكفل بحفظه كما أنزل لم يتغير منه حرف، ولم يتطرق إليه زيادة أو نقص.

وحفظه بحفظ مقاصده والمعاني المرادة منه، وذلك بسنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبينة له. فإنه لو ترك بلا بيان منه - صلى الله عليه وسلم - لقال فيه أهل الدعاوي الكاذبة كل ما شاء بما شاء. والكتاب حمَّال ذو وجوه. وإنما تحدد السنَّة المراد منه.

فحفظ الله عز وجل الكتاب بلفظه ومعناه المراد منه ببيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما استنبطه أهل الحق الأئمة المجتهدون راجع إلى القواعد والأصول التي أصَّلها الله عز وجل في كتابه، وأصَّلها على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وقد انتدب الله عز وجل السَّبَّاقين من حملة العلم- حملة الكتاب والسنَّة- فحرَّروا أقواله -صلى الله عليه وسلم-، وأفعاله وأحواله، وتقريراته. فجمعوا المسانيد والسنن, وأبعدوا عن السنن الصحيحة ما دَسَّه المزيِّفون، الذين افتروا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يعلمون أو يجهلون. ولكل كتاب من كتب السنة مزية خاصة. فـ "الموطأ" مزية، ولـ"مسند الإِمام أحمد" مزية، ولـ "الصحيحين" مزية، ولكل من السنن مزية.

قال الخطابي (٢): لم يصنف في علم الدين مثل كتاب السنن لأبي داود. وقد رُزِق القبول من كافة الناس على اختلاف مذاهبهم.

وقال ابن الأعرابي: لو أن رجلًا لم يكن عنده من العلم إلَّا المصحف


(١) سورة الحجر: الآية ٩.
(٢) "معالم السنن" (١/ ٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>