قال الطحاوي: قالوا: فلما ثبت بهذا الحديث الذي روي عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل هو وهي من الفرق، والفرق ثلاثة آصع كان ما يغتسل به كل واحد منهما صاعًا ونصفًا، فإذا كان ذلك ثمانية أرطال كان الصاع ثلثيها وهو خمسة أرطال وثلث رطل، وهذا قول أهل المدينة.
ثم أجاب الطحاوي عن هذا الاستدلال بأن حديث عروة عن عائشة إنما فيه ذكر الفرق الذي كان يغتسل منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي لم تذكر مقدار الماء الذي يكون فيه هل هو ملؤه أو أقل من ذلك؟ فقد يجوز أن يكون يغتسل هو وهي بملئه، ويجوز أن يكون كان يغتسل هو وهي بأقل من ملئه مما هو صاعان، فيكون كل واحد منهما مغتسلًا لصاع من ماء، ويكون معنى هذا الحديث موافقًا لمعنى الأحاديث التي رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يغتسل بصاع.
واحتج الفريق الثاني أولًا بما أخرجه الطحاوي بسند صحيح عن موسى الجهني عن مجاهد قال: دخلنا على عائشة فاستسقى بعضنا فأتي بِعُسّ، قالت عائشة: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يغتسل بمثل هذا، قال مجاهد: فحزرته فيما أحزر ثمانية أرطال، تسعة أرطال، عشرة أرطال، وقالوا: لم يشك مجاهد في الثمانية، وإنما شك فيما فوقها، فثبت الثمانية بهذا الحديث، وانتفى ما فوقها.
وأجيب عن هذا الاستدلال بوجوه:
الأول: أن الحزر لا يعارض به التحديد، قلت في الجواب عنه: وأين التحديد حتى لا يعارض به؟
والثاني: لم يصرح مجاهد بأن الإناء المذكور كان صاعًا، فيحمل على اختلاف الأواني مع تقاربها.