للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُحْصَنُ هُوَ الحُرُّ المُسْلِمُ البَالِغُ العَفِيْفُ (١)،

ــ

=فإذا بلغ الإمام فإنه لا يسقط ولو عفا المقذوف، لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: «تَعَافَوا الحُدُودَ فِيمَا بَينَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ» (١).

وهل يُعذَّر القاذف إذا عفا المقذوف عن الحد؟ إن رأى ولي الأمر تعزيره إصلاحاً للمجتمع، وصوناً للأعراض فله ذلك، وهذا يقوي القول بأن القذف فيه شائبة من حق الله، وحقوق العباد، لأن الله حرم القذف، وشرع عقوبة فاعله، وفيه أذية للمخلوق. وهل يصح العفو عن القاذف بعوض؟

قولان: الأول لا يصح بعوض عن حد قذف، لأنه وإن كان حد القذف للمخلوق لكنه فيه شائبة حق لله عزّ وجل، فلو قال القاذف للمقذوف: «أعطيك عن حقك في القذف مائة ألف ولا ترفعني للقاضي»، فوافق فلا يجوز؛ لأن حد القذف لله عزّ وجل فإما أن ترفعه لولي الأمر أو تتركه.

القول الثاني: أنه يصح بالعوض؛ لأنه حق محض للمقذوف فله إسقاطه بعوض أو بغير عوض فهو الذي سوف تسود صحيفته به، وهذا القول له وجهة نظر؛ لأنه حق لآدمي في الواقع، ولهذا لا يقام حد القذف إلا بمطالبة من المقذوف. أما إذا قلنا: إنه حق محض لله، وأنه لا تشترط مطالبة المقذوف، فإنه لا يصح بعوض.

(١) قوله «وَالْمُحْصَنُ هُوَ الحُرُّ المُسْلِمُ البَالِغُ العَفِيْفُ»: هذه هي الشروط المغتبرة في المقذوف، وبها يتحقق الإحصان في باب «القذف»، قال تعالى=


(١) أخرجه أبو داود في كتاب الحدود - باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان (٤٣٧٦)، قال الشيخ الألباني: «حسن»، انظر: حديث رقم (٢٩٥٤) في صحيح الجامع.

<<  <  ج: ص:  >  >>