كتاب وبل الغمامة في شرح عمدة الفقه لابن قدامة

قوله «ولا يفرق في السبي بين ذوي رحم محرم، إلا أن يكونوا بالغين» - شرح كلام المؤلف مع ذكر الدليل - ج: 8 - ص: 216

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

=وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: «لَعَن رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَنْ فَرَّقَ بَينَ الوَالِدِ وَوَلَدِهِ، وَبَينَ الأَخِ وأَخِيهِ» (١).

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يحرم التفريق بين القرابة إلا في الأخوة، لثبوت النص، وأما من عداهم من الأرحام فليس عليه دليل، وإلحاقه بالقياس فيه نظر، لأنه لا تحصل منهم بالمفارقة مشقة، كما تحصل بالمفارقة بين الوالد والولد، وبين الأخ وأخيه، فلا إلحاق لوجود الفارق، وينبغي الوقوف على ما تناوله النص، وهذا اختيار الشوكاني (٢).

أما التفريق بين الأم وولدها الصغير فهذا حرام بالإجماع، لما روى أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَنْ فَرَّقَ بَينَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَينَ أَحِبَّتِهِ يَومَ القِيَامَةِ» (٣).

وقوله: «إِلاَّ أَنْ يَكُوْنُوْا بِالغِيْنِ»: أي فيجوز التفريق بعد البلوغ، وهو رواية عن الإمام أحمد، والمذهب أنه لا يجوز ولو بعد البلوغ (٤).

ودليل الجواز قول سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-: «غَزَونَا فَزَارَةَ وَعَلَينَا أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَينَا، فَلَمَّا كَانَ بَينَنَا وَبَينَ المَاءِ سَاعَةٌ أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ فَعَرَّسْنَا، ثُمَّ شَنَّ الغَارَةَ، فَوَرَدَ المَاءَ، فَقَتَلَ مَن قَتَلَ عَلَيهِ، وَسَبَى، وَأَنْظُرُ=

---

(١) أخرجه ابن ماجه (٢٢٥٠)، وضعفه النووي في شرح المهذب (٩/ ٣٦٢)، والألباني في المشكاة (٣٣٧٢).
(٢) نيل الأوطار (٥/ ١٨٣).
(٣) أخرجه الترمذي - في السير - باب في كراهية التفريق بين السبي (١٢٨٣)، (١٥٦٦)، وأحمد (٣٧/ ٤٨٥ - ٤٨٦)، وحسنه الألباني في المشكاة (٣٣٦١).
(٤) المغني (٦/ ٣٧١).