شيئا، وأرى فيه اجتهاد الإمام. قال ابن القاسم: أرى أن تضرب عنقه، وهذا مما لا تعرف له توبة.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم صحيح؛ لأن الجاسوس أضر على المسلمين من المحارب، وأشد فسادا في الأرض منه؛ وقد قال الله تعالى في المحارب:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المائدة: ٣٣]- الآية. فللجاسوس حكم المحارب إلا أنه لا تقبل له توبة باستخفافه بما كان عليه، كالزنديق، وشاهد الزور؛ ولا يخير الإمام فيه من عقوبات المحارب، إلا في القتل والصلب لأن القطع أو النفي لا يرفعان فساده في الأرض وعاديته على المسلمين عنهم؛ وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول مالك: أرى فيه اجتهاد الإمام (أي) بين أن يقتله أو يصلبه؛ ومما يدل على وجوب القتل عليه، أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما قال في حاطب بن أبي بلتعة، إذ كتب إلي أهل مكة يخبرهم بقصد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إليهم، فأوحى الله تعالى بذلك إليه: دعني أضرب عنقه، فإنه قد خان الله ورسوله، ولم ينكر عليه النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قوله، ولا قال له إن ذلك لا يجب في ذلك الفعل؛ وإنما أخبر أنه لا يجب على حاطب، لكونه من أهل بدر، مع قبوله لعذره والذي اعتذر به لعلمه بصدقه في ذلك من جهة الوحي؛ فذلك خصوص له، لا يشاركه فيه غيره، ولا يقاس عليه.
[مسألة: أعطى سوارين في سبيل الله في الحضر فأراد أن يبيعهما قبل أن يخرج]
مسألة وسئل مالك عن رجل أعطى سوارين في سبيل الله في