[تفسير قوله تعالى قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا]
ومن كتاب العرية قال سفيان في هذه الآية:{قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}[الحجرات: ١٤] يقول: قولوا أسلمنا مخافة السباء والقتل.
قال محمد بن رشد: نفى الله عز وجل الإيمان بهذه الآية وأوجب لهم الإسلام، فدل ذلك دليلا ظاهرا على أن الإيمان غير الإسلام، لأن الإيمان هو التصديق الحاصل في القلب، والإسلام هو إظهار الإيمان بالنطق بالشهادة والأعمال الظاهرة من الصلاة وغيرها. فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا، فالإسلام أعم من الإيمان. وهذا في بلاد الإسلام حيث يجب على المؤمن إظهار إيمانه. وأما في بلاد الكفر حيث لا يمكنه إظهاره فهو مؤمن غير مسلم، إذ لا يمكنه إظهار سلامه. قال الله عز وجل:{وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ}[غافر: ٢٨] وقال: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}[النحل: ١٠٦] . وقد قيل إن الإيمان والإسلام اسمان واقعان على معنى واحد. واحتج من ذهب إلى هذا القول بقول الله عز وجل، وقوله الحق:{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات: ٣٥]{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[الذاريات: ٣٦] وهذا لا حجة فيه، لأن المؤمنين مسلمون، فسماهم مرة باسم الإيمان ومرة باسم الإسلام. والكلام في هذا يتسع، وقد أشبعنا القول فيه في صدر كتاب المقدمات، وبالله التوفيق.