قال ابن القاسم: وشذ قوله في هذه الحكاية: أمر أحله الله فاتبعوه، معناه: أمر أحله الله فأحلوه؛ لأن ما أحله الله فهو حلال، يجوز أكله، ولا يجب.
وقوله فيها: عفو عفا الله عنه فدعوه، يدل بحمله على ظاهره، أن المسكوت عنه محظور لا يباح أكله، وإلى هذا ذهب مالك في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان؛ لأنه قال فيه في المد الذي يأكله الناس: أنه ينبغي للِإمام أن ينهى الناس عما يضر بهم في دينهم ودنياهم، واحتج للمنع من جواز أكله بقوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}[المائدة: ٤] ، أما الطين من الطيبات ولم يحمله مالك في هذه الرواية على ظاهره، بل رأى المعنى في قوله: فدعوه اختياراً لا إيجاباً، بدليل قوله فيها: قد رفع اللَّه فيه الحرج عنهم بعفوه عنه؛ لئلا يحرم عليهم إن سألوه عنه فيسوؤهم ذلك، فقول مالك في هذه الرواية: إن المسكوت عنه مباح، وإلى هذا ذهب أبو الفرج.
ووجه القول الأول من طريق النظر: أنه قد ثبت أن الأشياء مِلكُ مالك، والأصل لا يستباح مِلْك أحدٍ إلا بإذنه، ووجه الثاني وأن خلق اللَّه تعالى له دليل على الِإباحة، إذ لا يجوز أن يخلقه عبثاً لغير وجه منفعة.
[امتيار القمح من بلد إلى بلد]
في امتيار القمح من بلد إلى بلد قال مالك: بلغني أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز على