قال مالك: قدم عُيينةُ بن بدر المدينة فنزل على ابن أَخ كان أَعمى، فبات ابن أَخيه يصلي، فلما أَصبح غدا إلى المسجد، فقال: ما رأيت قوماً أَوجهَ للناس لما وجهوهم له من هذا الحي من قريش، كان ابن أخي عندي أربعين سنة لا يطيعني، وإنهم قد وجهوه لأمر فأطاعهم، ما زالَ الليلة يصلي. قال: فدخل عمر بن الخطاب فقال: والله ما تعطينا الجزيل، وما تقضي بيننا بالحق، قال: فقعد عمر فاستوى. قال: فقام ابن أخيه فقعد بينه وبين عمر، ثم قال: يا أمير المؤمنين: إن الله يقول في كتابه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف: ١٩٩] وإن هذا من الجاهلين، فقال عمر: أَخْرِجُوهُ عَني.
قال محمد بن رشد: عيينة بن بدر هذا هو عيينة بن حصن بن بدر يكنى أَبا مالك، أَسلم بَعد الفتح. وقيل قبل الفتح، وشهد الفتح مسلماً. وهو من المؤلفة قلوبهم. وكان من الأعراب الجُفاة وقد مضى حديثه قبل هذا الرسم في دخوله على النبيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بغير إذن، وما قاله بحضرة عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ممَّا أغضبها. وابن أَخيه هو الحر بن قيس بن حصن، الذي تمارى مع ابن عباس في صاحب موسى الذي سألَ لقاءه على ما ذكر من شأنهما في القرآن، فعربهما أُبي بن كعب، فحدَّثهما بقصة موسى والخضر، على ما وقع من ذلك في كتاب العلم من كتاب البخاري وبالله التوفيق.