خبر في منقبة مصعب بن عمير قال مالك: إن مصعب بن عمير كانت عليه جبة من صوف مرقوعة بفروة، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثه إلى المدينة يدعو الناس إلى الِإسلام، ويعلمهم القرآن وأنه حين قتل كانت تّلك الجبة عليه.
قال محمد بن رشد: مصعب هذا القرشي العبدري من بني عبد الدار بن قصي كان من جلة الصحابة وفضلائهم، بعثه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة قبل الهجرة بعد العقبة الثانية يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين، كان يُدعى القارئ. وقيل: إنه أول من دخل المدينة من المهاجرين، وأول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة، ثم قدم بعده المدينة عمرو بن أم كلثوم، ثم عمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود، وبلال، ثم أَتى عمر ابن الخطاب في عشرين راكباً، ثم هاجر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقدم المدينة، وكان مصعب بنُ عمير هذا فتَى مكة شباباً وجمالاً، وكان أبواه يحبانه، وكانت أمه تكسوه أحسن ما يكون من الثياب، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يذكره فيقول:«مَا رَأَيْت بِمًكّةَ أَحْسَنَ لِمَّةً وَلَا أَرَقَّ حُلّةً وَلَا أَنْعَمَ نِعْمَةً مِن مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْر،» فَبَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو إلَى الإسْلَام فِي دار ابْن الأرْقَم، فَأسْلَمَ، وَكَتَمَ إسْلاَمَهُ خَوْفاً مِن أمِّهِ وَقَوْمِهِ وَكان يَخْتَلِفُ إلَى رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِرّاً فَبَصرَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ يُصَلِّي فَأَخْبَرَ بِهِ قَوْمَهُ وَأُمَّهُ، فَأَخَذُوه فَحَبَسًوهُ، فَلَمْ يَزَلْ مَحْبُوساً عِنْدَهُم حَتَّى خَرَجَ مُهَاجِراً وَاسْتُشْهِد يَوْمَ أُحُدِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا نَمِرَةٌ، كَانُوا إذَا غَطُّوا بِهَا رَأسَهُ خَرَجَت رِجْلاَهُ، وَإذَا غَطُّوا بِهَا رِجْلَيْهِ، خَرَجَ رَأسُهُ، وَهِى الْجُبّة الْمَرْقُوعَةُ بِالْفَرْوَةِ. عَلَى مَا قَالَه فِي هَذِه الْحِكَايَةِ، وَاللَّه أعلم. فَأَمَرَهُمّ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ