ولذلك يجب الحد في التعريض بالقذف، وسواء كان تعريضه بأن يذكر له حاجته وما بلغت منه، أو يذكر ذلك لغيره وهو يريد إسماعه؛ لأن من حلف ألا يكلم رجلا فكلم غيره يريد إسماعه فسمعه حنث باتفاق، وإنما يختلف إذا أراد إسماعه ولم يسمعه، ولم ير ابن القاسم أنه يحنث بالتعريض بالجلوس، وهو على أصله في من حلف ألا يكلم رجلا فأشار إليه بكلام فهمه عنه أنه لا حنث عليه فهم المحلوف عليه من طول جلوسه وحركته حاجته أو لم يفهم، وفي تفرقة أصبغ بين ذلك نظر؛ لأن الجلوس وحده إذا لم يكن يجالسه قبل تعريض بالمسألة، بدليل قوله عز وجل:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}[الحج: ٣٦] لأن المعتر هو الزائر الذي يعتريك ولا يسألك، فيجب أن يحنث الحالف به إذا أراد به التعريض وإن لم يكن معه زيادة عليه ولا فهم ذلك عنه المعرض له على القول بأن الإشارة كالكلام لأنه يفهم منه التعريض بالمسألة وإن لم تكن معه إشارة كما يفهم بالإشارة.
[مسألة: حلف ألا يأكل في المسجد من ماله شيئا فأكل منه شيئا خارجه]
مسألة قال أصبغ: سمعت أشهب وسئل عن رجل حلف ألا يأكل في المسجد من ماله شيئا، قال: فكنت أفطر في المسجد مع أصحابه من طعامهم فخرجت ليلة من المسجد إلى خارج الباب فناولني إنسان قرصا فدخلت المسجد فأكلته، وقيل لأشهب: إنها نازلة، فقال: ما أبالي أنازلة أم واقعة لا حنث عليه، فقيل له: أولا نراها قد صارت في ملكه ومالا من ماله حين أعطيها؟ فقال وهو أيضا إذ دعي في المسجد يأكل معهم فإذا رفع اللقمة إلى فيه فقد صارت مالا من ماله، لا يرى هذا كله مالا من ماله في وجه ما حلف عليه.