في احتجاب النساء من الرجال قال: وسمعت مالكا يحدث أن عائشة زوج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دخل عليها رجل أعمى وأنها احتجبت منه، فقيل لها: يا أم المؤمنين إنه أعمى لا ينظر إليك؟ فقالت: ولكني أنظر إليه.
قال محمد بن رشد: قد روي «عن أم سلمة أنها كانت عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع ميمونة. قالت: فبينما نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم، فدخل عليه، وذلك بعد أن أمر بالحجاب، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "احتجبا منه"، فقلنا: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟» وهذا خاص في أزواج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، بخلاف غيرهن من النساء، والله أعلم، بدليل «قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لفاطمة بنت قيس: اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك» فيصح للمرأة أن تنظر من الرجل الأجنبي إلى ما يصح للرجل أن ينظر إليه من ذوات محارمه، وقد قيل: إنه لا يصح للمرأة أن تنظر من الرجل إلا إلى ما يصح للرجل أن ينظر منها، على فعل عائشة في احتجابها من الرجل الأعمى، وعلى ظاهر قول الله عز وجل؛ لأنه قال:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}[النور: ٣١] كما قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}[النور: ٣٠] ، وليس ذلك بصحيح إذ قد بينت السنة في حديث فاطمة بنت قيس أن النساء في ذلك بخلاف الرجال، فتنظر المرأة من الرجل الأجنبي إلى ما ينظر إليه الرجل من ذوات محارمه، وتنظر المرأة من الرجل من ذوي محارمها إلى ما ينظر إليه الرجل من الرجل.
وكذلك تنظر المرأة من المرأة إلى ما ينظر إليه الرجل من الرجل، وقد