وتفرقته في هذا بين البيع والهبة والصدقة والنزول، خلاف قوله في رسم البراءة من سماع عيسى من كتاب القسمة، فإنه ساوى بين البيع والهبة والصدقة، في أن القول قول الحائز فيما ادعاه من ذلك كله؛ إذا طالت مدة حيازته إياه، في وجه صاحبه إلى ما تهلك فيه البينات. وقوله: وإن كان الذي الأرض أو المسكن في يديه، ورثها عن أب هالك أو غيره، فالقول قوله مع يمينه يريد فيما ادعاه من أنه صار به إلى أبيه، من بيع أو هبة أو صدقة، وكذلك لو قال: لا أعلم بما تصير إلى أبي، إلا أني ورثته عنه وحزته عليك هذه المدة؛ لكان القول قوله مع يمينه أنه ماله وملكه ورثه عن أبيه لا يعلم بأي وجه تصير إليه على ظاهر هذه الرواية، وهو قول ابن الماجشون، خلاف قول مطرف وأصبغ، وأما إذا كان المدعي غائبا طرأ، فأقام البينة، فلا ينتفع المقام عليه، بمجرد حيازته، دون أن يقيم البينة على الشراء بالقطع أو السماع، وبالله التوفيق.
[مسألة: يرثون المنزل فيقوم رجل منهم فيعمل في تلك الأرض بيتا قبل أن يقتسم]
مسألة وسئل عن الإخوة يرثون المنزل، فيقوم رجل منهم فيعمل في ذلك المنزل أو الأرض بيتا قبل أن يقتسم أو يغرس، ثم يقسم، كيف الأمر فيها؟ قال: يقسم، فإن صار ذلك للذي بناه كان له، وإن صار لغيره، خير الذي صار له ذلك، فإن أحب أعطاه قيمته منقوضا، وإن أحب أسلمه إليه فقلعه.
قلت: فإن استغل من ذلك شيئا قبل القسم، قال: إن كانوا حضروا فلا شيء لهم؛ لأنهم بمنزلة لو أذنوا له، وإن كانوا غيبا فلهم من ذلك بقدر كراء الأرض البيضاء، يكون عليه لهم ما ينوبهم، صارت له أو لغيره إذا كانوا غيبا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق، لا رب سواه.