ومن سماع أشهب وابن نافع من كتاب البيوع قال سحنون: قال ابن نافع وأشهب: سئل مالك عن الرجل يشتري الثوبين جميعا بثمن في صفقة واحدة، أيجوز أن يبيع أحدهما مرابحة؟ قال: نعم إذا بين ذلك للمبتاع، أرأيت الذي يبتاع العدل كما هو أليس يبيعه ثوبا ثوبا، أيبيعه جميعا؟ فقال: لا بأس به أن يبيعه مرابحة إذا بين ذلك للمبتاع.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه يجوز أن يبيع أحدهما مرابحة إذا بين ولا يكون للمبتاع في ذلك خيار إلا أن يتبين أنه وضع على أحدهما من الثمن أكثر مما ينوبه منه وباعه على ذلك، فيكون حكمه حكم الكذب في بيع المرابحة في القيام والفوات، ويكون ما نابه من الثمن على صحة هو الثمن الصحيح الذي إذا أراد البائع أن يلزم المبتاع البيع به لزمه ولم يكن له خيار، والذي لا ينقص للمبتاع منه في الفوات إن كانت القيمة أقل، وأما إن لم يبين فيكون الحكم فيه حكم البيع بالغش والخديعة على مذهب ابن القاسم، وحكم الكذب في زيادة الثمن على مذهب سحنون، وتكون قيمته يوم اشتراه البائع هو الثمن الصحيح؛ لأن الجملة قد يزاد فيها، وإن وضع على أحد الثوبين أكثر مما ينوبه من الثمن وباع مرابحة ولم يبين شيئا من ذلك فيجتمع في البيع على هذا الوجه عند ابن القاسم غش وكذب، فإن كانت السلعة قائمة كان مخيرا بين الرد والإمساك، ولم يكن للبائع أن يلزمه إياها بأن يحط عنه الكذب؛ لأنه يحتج عليه بالغش، وإن فاتت طالب المبتاع البائع بحكم الغش؛ لأنه أفضل له من المطالبة بحكم الكذب، فترد له السلعة إلى قيمتها إن كانت القيمة أقل من الثمن، وبالله التوفيق.