وأما من أصابه الخبل بعد أن احتلم وجرى عليه القلم فما حكى أنه سمعه من بعض أهل العلم فيه من أنه يطبع على عمله بمنزلة من مات صحيح في المعنى لارتفاع القلم عنه بالخبل، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاثة» فذكر فيهم المجنون حتى يفيق، وبالله التوفيق.
[ما حرست السماوات قط منذ خلقهن الله حتى بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم]
ومن كتاب الجامع قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يذكر أنه سمع أنه يقال: ما حرست السماوات قط منذ خلقهن الله ولا رمي عنهن بالشهب والنجوم حتى بعث الله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقرأ قول الله تبارك وتعالى:{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا}[الجن: ٨]{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}[الجن: ٩] .
قال محمد بن رشد: وقد قيل: إنه كان قبل بعث النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رمي الشهب شيء يسير، فلما بعث النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثر ذلك واشتهر وظهر. وقيل إن ذلك لم يكن أصلا قبل بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ومن الدليل على ذلك أنه لا يوجد في شيء من أشعار الجاهلية ذكر ذلك والتشبيه به. وقد روي عن أبي رجاء العطاردي أنه قال: كنا قبل أن يبعث النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما نرى نجما يرمى به، فبينما نحن ذات ليلة إذ النجوم قد رمي بها، فقلنا ما هذا؟ إن هذا لأمر حدث، فجاءنا أن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث، وأنزل الله هذه الآية