قال: لا. ولكن له ماله الذي داينه به آخر مرة، وما فضل فهو والغرماء الأولون فيه أسوة بجميع دينه ما بقي من أول وأوسط، وإنما ذلك بمنزلة ما لو داينه غيره، فكل من فلس ثم داينه آخرون، ثم فلس ثانية، فالذين داينوه بعد تفليسه أولى حتى يستوفوا رءوس أموالهم، ويكون الربح والفضل لجميع غرمائه. قال أصبغ مثله، وهي جيدة صواب كلها.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة، فلا وجه للقول فيها، وبالله التوفيق.
[مسألة: عليه دين قام عليه الغرماء ولا مال له فجاء من يسلفه أو يعينه إلى أجل]
مسألة قال أصبغ: وسمعته وسئل: عن رجل عليه دين قام عليه الغرماء، ولا مال له، فجاء من يسلفه أو يعينه إلى أجل، أعليه أن يأخذ ذلك فيقضيه الغرماء؟
قال: ليس ذلك عليه، وفي التعيين أبين، والسلف أيضا ليس ذلك عليه، وقاله أصبغ.
قال الإمام القاضي: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه أنه لا يلزم المديان أن يستسلف، ولا أن يستوهب، ولا أن يستعين ليؤدي ما عليه من الدين ولا أن يقبل شيئا من ذلك إن طاع له بذلك أحد، لأن الغرماء لم يعاملوه على ذلك ولا دخلوا معه عليه، ولا يلزمه قبول معروف أحد، ولا تحمل مِنَّتِهِ وإن طاع الرجل أن يسلف الطالب فيقضيه ماله على الغريم المطلوب ويرجع به عليه، لزمه ذلك ولم يكن له أن يمتنع منه؛ لأن المعروف إنما هو للطالب ليس للغريم المطلوب، فلا قول له في ذلك ولا وجه لامتناعه منه، هذا قول مالك وجميع أصحابه، خلاف ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من أن من أدى عن رجل مالا بغير أمره فليس له أن يرجع به عليه، وبالله التوفيق.