اختلفوا نظر إلى أصح أقوالهم عنده، وإن رأى خلاف رأيهم قضى بما رأى إذا كان نظيرا لهم، وإن لم يكن من نظرائهم فليس ذلك له. قاله ابن حبيب، والصواب له أن يقضي بما رأى وإن كانوا أعلم منه إذا كان من أهل الاجتهاد؛ لأن التقليد لا يصح للمجتهد فيما يرى خلافه بإجماع، وإنما يصح له التقليد عند من يرى التقليد ما لم يتبين له في النازلة حكم، ولا خلاف في هذا، وإنما الخلاف هل للمجتهد أن يترك النظر والاجتهاد ويقلد من قد نظر واجتهد أم ليس ذلك له؟ فقيل: إن ذلك له، وقيل: إن ذلك ليس له إلا أن يخاف فوات النازلة. وأما إن لم يكن من أهل الاجتهاد ففرضه المشورة والتقليد، فإن اختلف عليه العلماء قضى بقول أعلمهم. وقيل: بقول أكثرهم على ما وقع في المدونة من اختلاف الرواية في الحكاية عن الفقهاء السبعة، والأول أصح. وقيل: إن له أن يحكم بقول من شاء منهم إذا تحرى الصواب بذلك ولم يقصد الهوى، أو له أن يكتفي بمشورة واحد من العلماء، فإن فعل ذلك فالاختيار أن يشاور أعلمهم، فإن شاور من دونه في العلم وأخذ بقوله فذلك جائز إذا كان المشاور من أهل النظر والاجتهاد وبالله التوفيق.
[مسألة: القضاء على الغائب في الأرض المتنازع عليها]
مسألة قال سحنون: أخبرنا أشهب قال: كتب ابن غانم إلى مالك بن أنس سأله عن الخصمين يختصمان إليه في الأرض فيقيم أحدهما على الآخر بينة بأنها له، فإذا علم بذلك الذي قامت عليه البينة هرب وتغيب فطلب فلم يوجد، أيقضي عليه وهو غائب؟ فقال مالك: اكتب إليه إذا ثبتت عندك الحجة وسألته عن كل