قال محمد بن أحمد: ذهب ابن حبيب إلى أن الرسول إذا أسلم يقبل إسلامه إلا أن يشترطوا ذلك، فهي ثلاثة أقوال، والحجة لمالك في أنه يرد إليهم بعد إسلامه إن لم يشترطوا ذلك؛ ما روي «عن أبي رافع قال: أقبلت بكتاب من قريش إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما رأيته ألقي في قلبي حب الإسلام، فقلت: يا رسول الله، إني والله لا أرجع إليهم، فقال رسول الله: إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع إليهم، فإن كان في قلبك بعد أن ترجع إليهم الذي في قلبك الآن فارجع. قال: فرجعت إليهم، ثم أقبلت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وأما ما احتج به ابن القاسم من فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أبي جندل، فلا حجة فيه؛ لأنه إنما رده إليهم بالشرط الذي كان بينه وبينهم أن يرد إليهم من جاءه مسلما من عندهم، وقد قيل: إن ذلك منسوخ؛ بقوله تعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً}[الأنفال: ٥٨] الآية، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، والله أعلم، في ترك إعمال الشرط، وقال في حديث أبي رافع: إنما رده رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه لم يكن أسلم بعد، وإنما حبب إليه الإسلام، فأحب المقام عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فهذا تأويل الحديث، وإنما فيه أن الرسول إذا رفض ما أرسل فيه وأحب المقام بلا إسلام؛ لم يجز للإمام أن يمكنه من ذلك.
[مسألة: كتب العدو إلى المسلمين إن تهبونا ما أخذنا نجيبكم إلى الإسلام أو الجزية]
مسألة وسئل ابن القاسم عن قوم من العدو غلبوا على مدينة من مدائن المسلمين، وعلى رجالهم ونسائهم ثم يكتبون إلى المسلمين، أو خرج إليهم المسلمون، فأرسلوا إليهم إن تهبونا ما أخذنا من أموالكم ورجالكم ونجيبكم إلى الإسلام، أو نعطيكم الجزية،