يعارضه القياس أو يخالفه العمل المتصل، إذ لا يمكن أن يتصل العمل من السلف بخلاف الحديث المرفوع إلا وقد علموا النسخ فيه وقامت عندهم الحجة بتركه. وأما قوله ما الحق إلا واحد إلى آخر قوله، فيحتمل أن يعاد إلى ما سأله عنه من الأخذ بالحديث المروي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دون أن ينظر فيه إذا كان العلماء قد قالوا بخلافه، فيكون قوله صحيحا لا اختلاف فيه، إذ لا يجوز لأحد أن يقول أنا آخذ بما روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن كان العلماء قد خالفوه ولم يأخذوا به؛ لأنهم لن يتركوه إلا لما هو أولى منه. وأما إن اختلف العلماء في الأخذ به لتقديمه على القياس وعمل أهل المدينة وفي تركه لتقديم القياس وعمل أهل المدينة عليه فاختلافهم فيه كاختلافهم من جهة النظر والاجتهاد فيما لا نص فيه ولا إجماع. وقد اختلف هل كلهم مصيب عند الله؟ أو لا يدرى هل أصاب أحدهم الحق عند الله أو أخطؤوه جميعا. وقد تؤول القولان جميعا على مذهب مالك ورويا أيضا عن أبي حنيفة وعن أبي الحسن الأشعري، والصحيح [عنه] أن كل مجتهد مصيب، وإلى هذا ذهب القاضي أبو بكر الباقلاني، وعليه أصحاب الشافعي، وهو الحق والصواب؛ لأن المجتهد إذا اجتهد فيما لا نص فيه ولا إجماع فأداه اجتهاده إلى تحليل أو تحريم يعلم قطعا أنه متعبد بما أداه اجتهاده إليه من ذلك مأمور به، ولا يصح أن يأمر الله تعالى بشيء وبتعبده به وهو خطأ عنده، وبالله التوفيق.
[ما توقعه الأنصار من إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة]
فيما توقعه الأنصار من إقامة النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة قال مالك: وزعم يحيى بن سعيد قال: لما فتح الله عز