مسألة وسألته: عن قول عبد الله بن عباس من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما، أليس ترى هذا هديا؟ فقال لي: منه ما يكون هديا ومنه ما يكون دما ليس بهدي، فما كان من فدية الأذى فكان دما، وما كان من هذا الآخر فهو هدي. فقلت له: وما يكون منه هدي مما ليس بهدي؟ فقال لي: أما ما كان من وجه الفدية مثل نتف الشعر وما أشبهه، فإن ذلك إذا كان دما ليس بهدي وإنما هو الفدية، وأما ما كان منه نقصا للحج مثل أن ينسى رمي الجمار أو ينسى أو يترك من أمور الحج ففي ذلك الهدي، كل دم أمر به في ذلك فهو هدي.
قال محمد بن رشد: تفسير مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لحديث ابن عباس بعيد من ظاهره؛ لأنه إنما قال: من نسي من نسكه شيئا أو تركه فلا مدخل في ذلك للفدية، وإنما هو الهدي؛ لأن الفدية إنما هي فيما يفعل المحرم مما أمر باجتنابه من لبس الثياب وحلق الشعر وإلقاء التفث، لا لمن ترك شيئا من مناسك الحج التي أمر بها، ألا ترى أن من حلق رأسه افتدى، ومن ترك حلق رأسه أهدى؛ لأنه في حلق رأسه فعل ما أمر باجتنابه، وفي ترك حلق رأسه ترك ما أمر به من نسكه، وهذا بين.
والفرق بين الدم لفدية الأذى وبين الهدي أن الدم لفدية الأذى لا يقلد ولا يشعر، ومن شاء قلده وأشعره، ولا يوكل منه بحال ويذبحه حيثما شاء من البلاد، وهو مخير فيه بين الصيام والإطعام والدم. والهدي يقلد ويشعر ويجمع فيه بين حل وحرم ولا ينحر إلا بمكة أو بمنى، ويوكل منه تطوعا كان أو واجبا إذا بلغ محله، إلا أن يكون نذره للمساكين أو يكون هدي جزاء صيد، ولا