قال محمد بن رشد: قد جاء في الحديث الصحيح: «أن إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما كان بينه وبين أهله ما كان، خرج بابنه إسماعيل وأمه، ومعهم شنة فيها ماء، حتى قدم مكة فوضعها تحت دوحة، فجعلت تشرب من الشنة، ويدر لبنها حتى لما فني الماء، قالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا، فصعدت على الصفا، فنظرت فلم تر أحدا ثم هبطت، فلما صارت في الوادي، رفعت ذراعها، فسمعت سعي الإنسان المجهود، ثم صعدت على المروة فلم تر أحدا، فعلت ذلك سبع مرات، وابنها يتلوى من العطش، فلما كانت في آخر ذلك سمعت، فأصغت إليه فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواثا، فإذا بجبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فقال هكذا، فاندفق الماء، فدهشت أم إسماعيل، فجعلت تخفق، قال: فقال أبو القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لو تركته كان الماء ظاهرا، أو لكانت زمزم عينا معينا» ، فيحتمل أن يكون بعد ذلك قد رفعت السيول بلقاء الرمل والتراب حتى انطمس وعفا أثره، فكان من عبد المطلب في حفره ما ذكر في هذه الحكاية، والله أعلم.
[مسألة: اتخذ إبلا من مال الله يعطيها الناس يحجون عليها فإذا رجعوا ردوها إليه]
مسألة قال مالك: وبلغني أن عمر بن الخطاب اتخذ إبلا من مال الله يعطيها الناس يحجون عليها، فإذا رجعوا ردوها إليه.
قال محمد بن رشد: هذا من النظر الصحيح في مال الله؛ لأن أولى ما صرف فيه مال الله ما يستعان به على أداء فرائض الله؛ فينبغي للأئمة أن يتأسوا في ذلك بفعله، فقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي، عضوا عليها بالنواجذ» .