فيها بالصواب أجر عظيم، مخافة أن لا يتخلص في عمله، ويضعف عن إقامة الواجب عليه فيها، ولا يعدلُ بالسلامة شيء. وإذا كان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: وددت أني أَنجُو مِنْ هَذَا الأمْرِ كَفَافَاً لَا لِي وَلَا عَلًيّ، فكيف بمن بعده من الناس؟ وبالله التوفيق.
[ترك عمرما كان أراده من كتاب الأحاديث]
ومن كتاب أوله حلف ليرفعنَّ أمراً إلى السلطان في ترك عمر ما كان أراده من كتاب الأحاديث. قال مالك: كان عمر بن الخطاب قد أراد أن يكتب الأحاديث، أو كتب منها ثم قال: كتاب مع كتاب الله تعالى لا.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذا والله أعلم أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان أراد أن يكتب الأحاديث المأثورة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ليجعلها أصلاً يحمل الناس عليها في الآفاق، كما يفعل بالقرآن، فتوقف عن ذلك، إذ لا يقطع على صحة نقل الأحاديث عن النبي عليه السلام، كما يقطع على صحة نَقل التواتر، فقامت الحجة فَرأى أن يكل أمر الأحاديث إلى الاجتهاد، والنظر في صحة نقلها، ووجوب العمل بها، وأما أن يكتب الرجل الحديث قد رواه لِيَتَذَكَّرُه ولا ينساه، فلا كراهة في ذلك.
وقد «حدَث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحديث، فجاء رجلٌ من أهل اليمن فقال:" اكتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّه، فقال: اكْتُبُوا لأِبِي فلانٍ ".» وقال أبو هريرة: مَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ أكْثَرَ حَدِيثاً عَنْهُ مِنِّي، إلَاّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَإنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أكْتُبُ.
ولولا أن العلماء قيدوا الحديث ودنوه وميزوا الصحيح منه من السقيم، لدرس العلم وعمي أمر الدين. فالله يجازيهم على اجتهادهم في ذلك بأفضل جزاء المحسنين. وبالله التوفيق.