هذه الرواية لا تجوز إلا على وجهين أحدهما الإجارة على وجهها من لزومها لهما جميعا، والثاني الجعل على وجهه من أن لا يلزم المجعول له العمل وإن كان فيه من الاعتراض ما ذكرناه وهو الجعل بالجعل إذا كان على الجزء من الأرض بعد غرسه، إذ لا يدري كيف يكون الغرس، فهذا كله بين، والله الموفق.
[مسألة: من استأجرأجيرا فليعلمه أجره]
مسألة قلت: أرأيت لو قال له اغرس لي في أرضي هذه نخلا، ولم يسم عددها أو رمانا أو أصلا من الأصول معينا على وجه الجعل أو على وجه الإجارة قال: لا بأس بهما جميعا.
قلت له: ألا ترى أنه لا يدري كم يغرس له فيها أيقل الغرس أم يكثر؟ قال: بل ذلك عند الناس معروف غروس الأصول كلها لها قدر عند أهل المعرفة بها يغرسونها عليه أن يرد الغارس غرسه منع من ذلك وعلم أنه أراد الضرر، وإن قارب بينهما علم أنه أراد تلافها أو هلاكها، فمعرفة ذلك ثابتة عند الناس معروفة قيل لك أجرته.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه، لأن العرف المعلوم في العمل يغني عن وصفه، بدليل قَوْله تَعَالَى:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ}[القصص: ٢٧] فسمى الإجارة وضرب الأجل ولم يصف الخدمة والعمل لاستغنائهما عن ذلك بالعرف والعادة وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استأجر أجيرا فليعلمه أجره» وقال «من استأجر أجيرا فليؤاجره بأجر معلوم إلى أجل معلوم» فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتسمية الأجرة وضرب الأجل، وسكت عن وصف العمل إذ قد يستغنى عن ذلك بالعرف والعادة اللذين يقومان مقامه.