قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه يصدقهم، وإن لم يعرف عدالتهم؛ لأنه محمول على الطهارة على ما مضى في رسم "حلف" من سماع ابن القاسم من قوله: أراه في سعة ما لم يستقين بنجس، فسؤالهم مستحب، وليس بواجب، ولو قالوا له لما سألهم: هو نجس؛ لوجب عليه أن يصدقهم؛ لأنهم مقرون على أنفسهم بما يلزمهم في ذلك من الحكم، فالظن يغلب على صدقهم.
ولو كان محمولا على النجاسة لما وجب أن يصدقهم في أنه طاهر إلا أن يعرف عدالتهم، مثل أن يكون العسكر للنصارى فيسأل من كان قاعدا معهم من المسلمين، إذ لا يقبل الخبر حتى يعلم عدالة نقلته، كما لا تقبل شهادة الشهود حتى تعرف عدالتهم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}[البقرة: ٢٨٢] ، وقول عمر بن الخطاب: والذي نفسي بيده، لا يوسر رجل في الإسلام بغير العدول. وأما إن عرف أنهم غير عدول، فلا إشكال في أنه لا يقبل قولهم؛ لقوله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}[الحجرات: ٦] الآية، وبالله التوفيق.
[الرجل في حضر ومعه بئر وهو إن عالجها طلعت عليه الشمس أيتيمم]
ومن كتاب أوله عبد استأذن سيده في تدبير جاريته وقال: إذا كان الرجل في حضر ومعه بئر إلا أن رشاءها بعيد، وهو إن عالجها طلعت عليه الشمس، قال: يعالجها وإن طلعت عليه الشمس، وقد قال: يتيمم ويصلي إذا خاف طلوع الشمس.
قال محمد بن رشد: قوله: وقد قال: يتيمم ويصلي إذا خاف طلوع الشمس، هو على القول بأن الصبح ليس له وقت ضروري؛ وأما على القول بأن له وقت ضرورة وهو الإسفار، فإنما يعالجها ما لم يخف أن يسفر؛ لأن الذي