الحاكم كما أنه تعبد في أن يقبل شهادة الشاهد، إذا غلب على ظنه عدالته، ويردها إذا غلب على ظنه أنه غير عدل، أو لم يكن له به علم؛ إذ لا طريق له إلى العلم بذلك والقطع عليه، وبالله التوفيق.
[مسألة: يشهد عليه فيقيم المشهود عليه البينة أنه عدو له مهاجر له]
مسألة وسئل سحنون عن الرجل يشهد عليه الرجل، فيقيم المشهود عليه البينة أنه عدو له مُهَاجِر له، هل تسقط عنه شهادته؟ فقال: إن كان عدوا له أصل عداوتهما في أمر الدنيا في الأموال والمواريث والتجارات، ونحو ذلك من أمر الدنيا، فإن شهادته عنه ساقطة، وإن كانت عداوة الشاهد للمشهود عليه إنما هي غضب لله لجرمه وخونه وفسقه، وجرأته على الله، لا لغير ذلك، فأرى شهادته غير ساقطة.
قال محمد بن رشد: قول سحنون هذا صحيح مفسر لجميع الروايات؛ لأن العداوة إن كانت غضبا لله، فهي واجبة، ولا تسقط شهادة الشاهد بما هو مأمور به، وواجب عليه، وإنما تسقط بما هو منهي عنه، ومحظور عليه، من الهجران الذي هو محرم في الشريعة؛ قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» ، ولهذا المعنى لم تسقط شهادة القاضي على من أقام عليه حدا، أو ضربه في أمر يوجب عليه الضرب، على ما مضى في أول رسم الصبرة، من سماع يحيى، وبالله التوفيق.