آصع، ثم أعسر بما بقي؛ فلما ألح عليه يتقضاه، قال له: أقلني وأرد عليك طعامك؛ قال: لا بأس به، فقيل له: يا أبا عبد الله، فإنه قد كان قضاه خمسين صاعا ثم سأله الإقالة على أن يرد عليه طعامه، قال: لا خير فيه؛ فقيل له: يا أبا عبد الله، لِمَ، أليس هو مثله؟ قال: لا، ذلك يسير، وأرجو -إن شاء الله- ألا بأس.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة يدخلها بمجموع البيع والإقالة، أسلفني وأسلفك؛ لأن ما رد المسلم من الطعام إلى البائع فكأنه أسلفه إياه؛ والثمن الذي رد البائع إلى المسلم، كأنه أسلفه إياه أيضا؛ فاستخف ذلك في اليسير، إذ بعد عنه أن يكونا قصدا إلى ذلك؛ ومنع منه في الكثير لقوة التهمة عنده فيه، ولو أقاله مما بقي، لما جاز في القليل ولا في الكثير؛ لأنه يدخله البيع والسلف، فالمكروه فيه أشد، لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع وسلف.
وسئل: عن رجل باع قمحا بدينار فأتى بَيِّعُهُ فوجد عنده تمرا فاشترى منه بدينار تمرا، ثم إنه لقيه بعد ذلك، فقال: إن لي عليك دينارا ولك عَلَيَّ دينار، فقاضني، قال مالك: لا أحبه، ولكني أرى أن يرد التمر الذي أخذ منه؛ قال ابن القاسم: لأنه إذا قاضاه كان قد قبض من ثمن الطعام طعاما.