للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال محمد بن رشد: إنما لم ير مالك في هذا القتل والصلب والقطع وذهب إلى أن يؤخذ فيه بأيسر عقوبات المحارب، وهو الضرب والسجن؛ لأنه لم يخرج محاربا، ولكنه أخذ مالا على سبيل الحرابة فأشبه المحارب، فهو عند مالك في الحكم بمنزلة الذي يخرج محاربا فيؤخذ في أول خروجه قبل أن يقتل أو يأخذ مالا أو يخيف سبيلا، ووجه الشبه بينهما أن هذا تحققت عليه الحرابة بخروجه محاربا ولم يكن منه شيء من معناها ولا أخذ مال ولا إخافة سبيل، والأول وجد منه معنى الحرابة، وهو أخذ المال على سبيل المحاربة، وليس بما فعل اسم المحارب إذا لم يقصد الحرابة ولا خرج إليها، فسقط عنه بذلك ما يجب على المحارب إذا أخاف السبيل وأخذ المال، فهذا وجه القول في هذه المسألة، والله أعلم.

[مسألة: حدود الله يجب البدار إلى إقامتها]

مسألة قال لنا مالك: أرسل الأمير فسألني عن رجل صحب قوما، فلما حضر غداؤهم جاءهم بسويق معه فصبه مع سويقهم فأكلوا منه وهم أربعة ولم يأكل هو، فلم يلبث رجلان من القوم أن ماتا ولبط بصاحبهما فلم يدر أحيين هما أم ميتين، حتى مثلهما من الغد وأخذ منهم خمسة دنانير، ثم أخذ فسئل عن ذلك فقال: قد فعلت، وإنما هو سويق أعطانيه إنسان، فأخبر أنه يسكر من أكله فأطعمتهم إياه ليسكروا، ولم أرد قتلهم، وإنما أردت أن أخدرهم فآخذ ما معهم، فلما طعموه فمات هذان ولبط بهذين حللت من أكمامهم خمسة دنانير فذهبت بها، ولم أظن أن ذلك يقتل، ولم يكن ذلك الذي أردت، فاعترف على نفسه بهذا بغير ضرب ولا امتحان، فما ترى؟ فقلت لمالك: فهل رأيت فيه يا أبا عبد الله؟ فقال لي: رأيت عليه القتل،

<<  <  ج: ص:  >  >>