للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس من الأوقات المرغب فيها للصلاة كالْهواجِرِ وآخر الليل بدليل ما ذكره عن عمر بن الخطاب، فلا يعاب على أَحد ترك الصلاة فيما بين الظهر والعصر والحديث فيه إذ كان الأخيار يفعلونه. وقد اختار مالك في رسم صلَّى نهاراً ثلاث ركعات من كتاب الصلاة على القعود لمذاكرة العلم في الأوقات التي تستحب فيها الصلاة، ولم ير ما بين الظهر والعصر من تلك الأوقات، بدليل قول سعيد بن المسيب، وقد قيل له: إن قوماً يصلون ما بين الظهر والعصر: ليست هذه عبادة، إنَّما الورع عمَّا حرم الله والتفكر فيما أمر الله به، يريد أنها ليست عبادة إنما العبادة الورع عمَّا حرم الله والتفكير في أمر الله يريد: أنها ليست عبادة من العبادات المرغب فيها لا أنها ليست عبادة أصلاً، وبالله تعالى التوفيق.

[تواضع عمر بن الخطاب وإشفاقه على المسلمين]

حكاية في تواضع عمر بن الخطاب وإشفاقه على المسلمين قال مالك لما خرج عمر بن الخطاب إلى الشام لقيه راهب فجعل يتعجب ويقول: ما رأيت ملكاً في رهبانيته قبل اليوم. قال مالك: كانت الرِّمادة في زمن عمر بن الخطاب سنين ليست واحدة، وأول ما أُغيثوا في الخريف. قال: وقال مالك عن عمر في السمن الذي اشترته له عاتكة، لا أطعمه حتى يجيء الناس من أَول ما يحيون، قال يريد: حتى يُغاث الناس.

قال محمد بن رشد: الذي رأى الراهب من حال عمر التي تعجب منها هو ما وقع في سماع أَشهب من كتاب الدعوى والصلح من أنه لما خرج إلى الشام فتلقاه عجمها ركب خلف أَسلم وقلب فروهُ، فجعلوا كلما لقوا أَسلم، قالوا: أَين أمير المؤمنين؟ فيقول: أَمامكم أَمامكم، حتى أكثر، فقال له عمر كثرت عليهم، أخبرهم الآن، فسألوه فقال: هو هذا. فوقفوا كالمتعجبين من حاله، فقال عمر: لا تَروْنَ عَليَّ كَسْوة قوم غَضِبَ اللِّهُ عَلَيْهِم، فنحن تزدري بنا أعينهم، ثم لم يَزل قابضاً بين عينيه،

<<  <  ج: ص:  >  >>