في غير ما كتاب من " المدونة "، ورأى ذلك في المكتوبة أشد لحرمتها ووجوبها عليه، فلم يبح الإجارة فيها على الإطلاق، إلا أن يكون في حيز التبع مما ينضاف إليها من الأذان والقيام على المسجد لعمارته. وقد روى علي بن زياد عن مالك أنه لا بأس أن يأخذ الرجل الإجارة على صلاة الفريضة؛ لأنه يلزمه أن يصليها لنفسه، ولا يأخذ ذلك في النافلة، حكى هذه الرواية بكر القاضي، ووجهها أن صلاة الفريضة لما كانت تلزمه علم أنه لم يعط الأجرة على ما يلزمه، وإنما أعطيها على ما لا يلزمه من أن يصليها في مسجدهم حيث يأتمون به، ولما كانت صلاة النافلة لا تلزمه خشي أن يكون إنما صلى بسبب الأجرة، ولولاها لم يصل، فكرهها لذلك. ووجه ما في " المدونة " من أن ذلك في الفريضة أشد هو أن الصلاة الفريضة، وإن كانت لا تلزمه في مسجد بعينه، فيلزمه من مراعاة أوقاتها وحدودها ما يخشى أن يكون لولا الأجرة لقصر في بعضها، والنافلة لا تلزمه أصلا، فكانت الإجارة عليها أخف؛ لأن الإجارة على ما لا يلزم الأجير فعله جائزة، وإن كان في ذلك قربة، أصل ذلك الأذان وبناء المساجد، والله أعلم، وبه التوفيق.
[مسألة: الإمام إذا قال سمع الله لمن حمده أيرفع يديه]
مسألة وسئل عن الإمام إذا قال: سمع الله لمن حمده، أيرفع يديه؟ قال: نعم، يرفع يديه ويرفع من وراءه أيديهم إذا قالوا: سمع الله لمن حمده، قيل: أيرفع يديه إذا قال: سمع الله لمن حمده أم يرجئ ذلك حتى يقول: ربنا ولك الحمد؟ فقال: إذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، وكذلك يفعل من وراءه، وليس رفع الأيدي بلازم، وفي ذلك سعة.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها موعبا في رسم "المحرم يتخذ الخرقة لفرجه"، من سماع ابن القاسم، ومضى منه شيء في أول رسم من هذا السماع، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك.