وفي ذلك من قوله نظر، والقياس فيه إذا حكم له بحكم الكذب أن تقوم السلعة يوم اشتراها البائع وتقوم يوم باعها هذا البائع وينظر ما بين القيمتين فيهما من أكثر القيمتين ويحط ذلك الجزء من الثمن، فما بقي بعد ذلك كان هو الثمن الصحيح، فإن كانت السلعة قائمة كان المبتاع بالخيار بين الرد والإمساك، إلا أن يشاء البائع أن يلزمها إياه بما قلنا فيه إنه هو الثمن الصحيح، وإن كانت قد فاتت وأبى البائع أن يردها إلى الثمن الصحيح كانت فيه القيمة إلا أن تكون القيمة أكثر من الثمن الذي باع به فلا يزاد البائع عليه، أو تكون أقل من الثمن الصحيح فلا ينقص المبتاع منه شيئا، وبالله التوفيق.
[يقدم بالمبتاع فيعطي القوم البرنامج فيقول هذا برنامجي ولا أبيعكم مرابحة]
ومن كتاب أوله الشريكان يكون لهما مال وسئل [مالك] عن الرجل يقدم بالمبتاع فيعطي القوم البرنامج فيقول هذا برنامجي ولا أبيعكم مرابحة، قال مالك: لا أحب أن يعطيهم البرنامج إذا كان شأنه ألا يبيعهم مرابحة لأنه يدخل في ذلك الخديعة.
قال محمد بن رشد: الخديعة التي خشي في ذلك هي أنهم يقتدون ببرنامجه فيبلغونه بسببه من الثمن ما لم يكونوا يبلغوه إياه لولاه، ولعل متاعه لا يبلغ تلك القيمة وإنما يفعل ذلك إذا خشي ألا يساوي ما اشتراه به، ولعله أيضا لما عزم أن يبيع مساومة ولا يبيع مرابحة لم يتثبت فيما كتب في برنامجه فزاد أو نقص، فيكون بمنزلة من رقم على ثيابه أكثر من شرائها وباع مساومة، وذلك من الغش والخديعة، فإن أعطاهم البرنامج وباعهم مساومة كان ذلك من البيع المكروه، ولم يجب فيه فسخ ولا خيار، إلا أن يكون البرنامج كتبه على غير صحة فيكون حكم البيع حكم بيع الخديعة والغش، وقد وصفناه في الرسم الذي قبل هذا، وبالله التوفيق.