ذلك من شأن شراء المتاع فلا أرى ذلك؛ لأن الرجل قد يأتي في الزمان قد رخص فيه المتاع وقد طال شراؤه وحال عن حاله فيساومه فيظن أنه من شراء ذلك اليوم فلا يعجبني في المساومة ولا في المرابحة إذا كان على ما وصفت لك إلا أن يبين ذلك.
قال محمد بن رشد: تحصيل هذا أنه إن كان طال مكث المتاع عنده فلا يبيع مرابحة ولا مساومة حتى يبين، وإن لم تحل أسواقه؛ لأن التجارة في الطري أرغب وهم عليه أحرص من أجل أنه إذا طال مكثه لبث وحال عن حاله وتغير، وقد يتشاءمون بها لثقل خروجها، هذا وجه ما ذهب إليه من المدونة، وكرهه ههنا مخافة نقصان قيمتها بتغيرها وحوالة أسواقها؛ لأن البائع إنما يسامح في البيع على قدر رخص السلع عنده، فلو علم المبتاع أن سلعة غالية من شراء غير ذلك الوقت لما اشترى منه شيئا مرابحة ولا مساومة، وهذا بين إن كانت الأسواق حالت بنقصان، وأما كانت حالت بزيادة فلعل زيادة أسواقها لا تفي بتغيرها بطول مقامها، وإن وفت بذلك أو زادت عليه فمنع منه بكل حال للذريعة.
وأما إن كان لم يطل مكث المتاع عنده فإنما عليه أن يبين في بيع المرابحة إن كانت الأسواق قد حالت بنقصان، وليس عليه أن يبين فيها إن كانت الأسواق حالت بزيادة ولا في بيع المساومة أصلا، فإن باع مرابحة أو مساومة وقد طال مكث المتاع عنده ولم يبين فهو بيع غش وخديعة يكون المبتاع مخيرا في قيام السلعة بين الرد والإمساك، فإن فاتت رد فيها إلى القيمة إن كانت أقل من الثمن، وإن باع مرابحة وقد حالت الأسواق بنقصان ففي ذلك قولان؛ أحدهما: أنه يخير في القيام بين الرد والإمساك، ويرد في الفوات إلى القيمة إن كانت أقل من الثمن على حكم الخديعة والغش في البيع، وهو مذهب ابن القاسم، والثاني: أنه يحكم له بحكم من باع وزاد في الثمن وكذب فيه، وتكون القيمة في ذلك يوم البيع كالثمن الصحيح في بيع الكذب، فتكون فيه القيمة إذا فات يوم القبض، إلا أن يكون أقل من قيمتها يوم البيع فلا ينقص من ذلك، أو أكثر من الثمن الذي باع به فلا يزاد عليه، وهو مذهب سحنون.