من الجعل الأول، وهو أظهر من قول ابن القاسم وابن كنانة؛ لأنه لما كان لا يجب عليه شيء إذا لم ينتفع وجب ألا يكون عليه إذا انتفع إلا قدر ما انتفع، وإنما يشبه أن يكون عليه قيمة عمله يوم انتفع به أو يوم عمله، إذ انتفع به كما هو دون أن يتمه بإجارة أو مجاعلة في وجه من وجوه المنافع؛ من كنيف يحدثه فيه أو ما أشبه ذلك.
والقياس أن يكون له في هذا الحساب ما عمل من جعله الذي كان جعل له فيه، ومما يشبه هذا الدلال يجعل له الجعل على بيع الرأس من الرقيق فيسوقه، ثم يبيعه صاحبه بغير حضرته، ولو باعه له دلال آخر بجعل أخذه منه؛ لوجب أن يكون الجعل بين الدلال الأول والثاني على قدر عنائهما؛ لأن الدلال الثاني هو المنتفع بتسويق الأول دون صاحب السلعة؛ إذ قد أدى إلى الثاني جعلا كاملا، لم ينحط عنه منه شيء بسبب الأول، وذلك على قياس ما وقع في سماع عيسى، من كتاب اللقطة، في الرجل يجعل للرجل الجعل في طلب عبد أبق فيجده، ثم يأتي به فينفلت منه ويذهب ويجعل صاحبه عليه جعلا آخر لرجل آخر فيأتي به، أنه إن كان أفلت بعيدا من مكان سيده، فالجعل كله للثاني ولا شيء للأول، وإن كان أفلت قريبا من مكان سيده، فالجعل بينهما على قدر شخوص كل واحد منهما بما يرى، وبالله التوفيق.
[يستخيط الثوب بدرهم ثم يقول له هل لك أن تعجل لي ثوبي وأزيدك]
ومن كتاب أوله سلف في المتاع والحيوان وسئل مالك عن الرجل يستخيط الثوب بدرهم، ثم يقول له بعد ذلك: هل لك أن تعجل لي ثوبي اليوم وأزيدك نصف درهم؟ قال مالك: لا أرى به بأسا، وأرجو أن يكون خفيفا، ولم يره مثل الرسول يزاد لسرعة السير بعد إيجاب أجرته.