يقصرون بها قياسا على تقصير الحاج من أهل مكة بها، وذلك إنما فيه الاتباع لرسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تقصيره بها، ولا يتعدى بالسنة موضعها- إذا لم تكن موافقة للأصول، لا سيما وقد قيل: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن مقيما بمكة، ولذلك قصر بمنى، وإلى ذلك ذهب أهل العراق، فلم يجيزوا للحاج من أهل مكة التقصير بمنى وعرفة، وقد مضى هذا في رسم "شك في طوافه" من سماع ابن القاسم. وقول ابن القاسم: وكل من كان بمنى يقصر، فإذا أفاض قصر، مثل قوله أولا أما أهل عرفة فيقصرون؛ لأن أهل عرفة يقصرون عنده بمنى - على ما تقدم؛ ووقع في بعض الروايات: وكل من كان بعرفة يقصر، فإذا أفاض قصر- وهو غلط؛ لأن قوله يتناقض بذلك، من أجل أن أهل منى يقصرون بعرفة، وهو قد قال: إنهم يتمون إذا أفاضوا.
[مسألة: هل يؤذن المؤذن المؤذن يوم عرفة والإمام على المنبر يخطب]
مسألة فقلت له: هل يؤذن المؤذن، يوم عرفة - والإمام على المنبر يخطب؟ - قال: قال مالك: ذلك واسع، قال عيسى: وقال لي ابن وهب: تلك السنة.
قال محمد بن رشد: قول مالك في أذان المؤذن- والإمام على المنبر يخطب: إن ذلك واسع، يدل على أن الاختيار عنده ألا يؤذن إلا بعد فراغه من الخطبة- كما قال في آخر كتاب الصلاة الثاني من المدونة؛ إذ لا يوسع إلا فيما غيره أحسن منه. فقول ابن وهب تلك السنة، خلاف لقول مالك، إن لا يصح أن يكون الاختيار عنده خلاف السنة، ولو ثبتت السنة عند مالك، لما اختار خلافها، وإن كان ذلك أظهر في المعنى، من أجل أن أذان المؤذن- والإمام يخطب، ترك منه لما أمر به من استماع الخطبة، والإصغاء إليها، وقد