وفي قوله في بيع الماء على سقي دواب مسماة إن ذلك لا بأس به على وجه الضرورة وإن كان منها ما يشرب القليل ومنها ما يشرب الكثير ومنها ما لا يشرب شيئا، يريد بالضرورة المشقة التي تلحق المتبايعين في اشترائه على الكيل، فأجيز ذلك لهذه الضرورة كما أجيز شراء الصبرة من الطعام جزافا لمؤنة الكيل ومشقته، لأن الغرر في ذلك يسير، إذ لا تسلم البيوع من يسير الغرر. ولو اشترى منه سقية دابة واحدة وهما لا يدريان هل تحتاج إلى الشرب أم لا لما جاز لكثرة الغرر في ذلك. ونظير هذا إجازة شراء لبن الشياه العدد الشهر والشهرين جزافا، بخلاف شراء لبن الشاة الواحدة جزافا الشهر والشهرين، وبالله التوفيق، لا شريك له.
[طعام الفجأة]
ومن كتاب النسمة وسئل ابن القاسم وابن وهب عن طعام الفجأة هل بلغك فيه شيء، يغشى الرجل القوم وهم يأكلون فيدعونه هل يأتيهم؟ فقالا: حسن جميل أن يجيبهم إذا دعوه، وإن غشيهم ولم يدعوه فلا يأكل لهم شيئا.
قال محمد بن رشد: هذا مما ينبغي للرجل أن يعمل فيه بما يظهر إليه من حال الذين غشيهم يأكلون فدعوه للأكل معهم، إن ظهر منهم إليه استبشارهم بقدومه عليهم وسرورهم بأكله معهم استحب له أن يجيبهم إذا دعوه، وإن ظهر إليه منهم أنهم كرهوا غشيانه إياهم يأكلون وهم إنما دعوه استحياء منهم كره له أن يجيبهم، وإن لم يتبين له منهم أحد الوجهين كان له جائزا أن يجيبهم من غير استحباب ولا كراهة، وبالله التوفيق.