قال محمد بن رشد: قوله: وسئل عن الخباز يبعث إليه بالخبز صاحب الفرن كلام فيه تقديم وتأخير، وصوابه: وسئل عن الخباز صاحب الفرن يبعث إليه بالخبز، فالفران ضامن لما ادعى تلفه كالصناع كان خبازا يبعث إليه بالعجين ليخبره ويطبخه أو فرانا يبعث إليه بالخبز ليطبخه، وكذلك يضمن ما أفسد بحطبه، وإنما لم يضمن ما احترق من الخبز؛ لأن النار تغلب على ما قال في المدونة، وإنما يسقط عنه الضمان إذا بقي من الخبز ما يعرف به أنه خبز صاحبه، وأما لو ادعى أنه احترق، ولم يأت منه بشيء يعرف أنه الخبز بعينه لضمن، وكذلك الغزل يحترق في الفرن مثله سواء؛ لأن ذلك تضييع من الفران وتعد منه أو عنف في الوقيد، قاله ابن حبيب وغيره، فالضمان ساقط عنه في احتراق الخبز ما لم يتبين التضييع منه والتعدي في العنف في الوقيد، وكذلك ما كان من الأعمال فيه غرر كثقب اللؤلؤ وشبه ذلك لا ضمان عليه فيما أتى على يديه إلا أن يتبين منه في ذلك أنه تعدى فيه وأخذه من غير مأخذه على ما يأتي لأصبغ في نوازله.
[جاء بثوب إلى خياط فقال أخرج لي منه قميصا أو ساجا]
ومن كتاب الرطب باليابس وسمعت مالكا قال: من جاء بثوب إلى خياط فقال: أخرج لي منه قميصا أو ساجا، فقال: نعم، فأعطى على ذلك أجرا فقطع، فلم يأت ذلك فيه، قال: لا غرم عليه، ولو أفسد شيئا منه غرم ما أفسد يعني بذلك قيمة الثوب، إلا أن يكون ذلك فسادا يسيرا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد اختلف فيها اختلافا كثيرا، وتحصيله أنه اختلف في الضمان إذا غر، وفي الأجرة إذا لم يغر، ولا اختلاف في أنه لا ضمان عليه إذا لم يغر، ولا في أن لا أجرة له إذا غر، وهذا إذا أتاه فقال له: انظر هذا الثوب إن كان فيه قميص أو لا، فقال له: فيه قميص، فلما قال له ذلك، قال: اقطعه ولك كذا وكذا، ومثله الذي يستأجر القسطار على انتقاد