في عيب الإكثار قال: وأخبرني عن عبد الرحمن بن القاسم أنه قال: كنا جلوسا عند مالك يوما إذ مر بنا ابن وهب فلحظه مالك ببصره ساعة ثم قال: سبحان الله أيما فتى لولا أنه مكثر، ثم قال: بلغني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«إني مما أتخوف على أمتي العصبية والقدرية وكثرة الرواية» .
قال محمد بن رشد: المعنى في كراهة ذلك بين؛ لأن من أكثر رواية الأحاديث ولم ينتق من يحملها عنه لم يأمن أن يحدث عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما لم يقله؛ ومن اشتغل برواية الأحاديث عن التفقه فيها ومعرفة ما عليه العمل منها فما وفق لما له الحظ فيه. وقد قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: العلم الذي هو العلم معرفة السنن، والأمر المعروف الماضي المعمول به. وكان ابن سيرين يقول: إنما هذه الأحاديث دين، فانظروا عمن تحملون دينكم. وقال يحيى بن يحيى: سمعت مالكا يقول: لقد أدركت بهذا البلد أكثر من سبعين شيخا كلهم أهل فضل ما حملت عن واحد منهم حرفا. قيل له: ولم ذلك يا أبا عبد الله؟ فقال: إن هذا الأمر ليس يؤخذ إلا من أهله، إنما هي كلمة تغير فيستحل بها حرام أو يحرم بها حلال.
ومخافة هذا المعنى -والله أعلم- قال عمر بن الخطاب: أقلوا الحديث عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا شريككم. وقد مضى الكلام على قول عمر هذا في رسم حلف أن لا يبع رجلا سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.