مسألة قال سحنون إذا وهب الرجل لابنه هبة يريد بها الصلة، فإنه لا يجوز له اعتصارها منه، كان الابن صغيرا في حجره أو كبيرا بائنا منه، والهبة للصلة مثل الصدقة، ولا يجوز له اعتصارها، وذلك أن تكون ابنته الكبيرة أو ابنه الكبير يكون ضعيفا يخاف عليهما الخصاصة، فيصلهما نظرا منه لهما، وكذلك إذا وهب لصغير نظرا منه له، لما يخاف عليه من الخصاصة؛ وإنما يعتصر الأب هبته وعطيته من الابن إذا كان الابن في حجره وله مال كثير، أو البائن منه وله مال كثير، وليس يريد بذلك صلته، فذلك الذي يعتصره.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الصدقة لا تعتصر؛ لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «العائد في صدقته، كالكلب يعود في قيئه»«وقوله لعمر بن الخطاب في الفرس الذي كان حمل عليه في سبيل الله: لا تشتره، وإن أعطاكه بدرهم؛ فإن العائد في صدقته، كالكلب يعود في قيئه» والهبة على سبيل الصدقة لمن كان قليل ذات اليد، مخافة الخصاصة كالصدقة، فلها حكم الصدقة في أنها لا تعتصر، وإن سماها هبة، وإنما أجيز للأب فيما تصدق به على ابنه أن يكتسي من صوف الغنم، ويشرب من ألبانها، ويأكل من لحومها إذا تصدق بها عليه، وأن يأكل من ثمر النخل إذا تصدق بها عليه، حسبما مضى في رسم نذر، من سماع ابن القاسم، وأجاز في رسم سلعة سماها منه للأب أن يشتري ما تصدق به على ابنه، وذلك كله بخلاف الأجنبي للشبهة التي له في مال ابنه؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أنت ومالك لأبيك، وقد مضى هناك تحصيل القول فيما يجوز للأب والأجنبي فيما تصدقا