للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإني أرجو أن يكون خفيفا إذا لم يكن له من يمسكه غيره، وأما في أرض الإسلام فليتقه ما استطاع، ودين الله يسر.

قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه مما لا يستطيع المسافر التوقي منه، لا سيما الغازي في أرض العدو، فهو موضع تخفيف للضرورة، كما خفف مسح الخف من الروث الرطب، وكما جوز للمرأة أن تصلي في الثوب الذي ترضع فيه إذا لم يكن لها ثوب غيره، مع أن تدرأ البول عنه جهدها.

[: الرجل يجعل الخرقة يمسح بها وجهه عند وضوئه]

ومن كتاب أوله مساجد القبائل وسئل مالك عن الرجل يجعل الخرقة يمسح بها وجهه عند وضوئه، قال: لا بأس بذلك، وأنا أفعل ذلك، ثم قال: وما الذين يسألون عن مثل هذا؟ فقيل: إن بعض الناس يذكرون أن بلال بن عبد الله بن عمر نهى رجلا عن ذلك، ويقولون: هو يذهب بنور الوجه، فوعظه أن يحدث بذلك أو يقبله ممن حدثه، قال: ولو قاله بلال أيؤخذ منه ذلك؟

قال محمد بن رشد: إنما أنكر مالك، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والله أعلم، هذا الحديث ووعظ أن يحدث بذلك أو يقبله ممن حدثه لبيان بطلانه، وذلك أن نور الوجه هو بياضه، فإن كان أراد أن مسح الوضوء بالخرقة يذهب بياض الوجه في الدنيا فيسود أو تعلوه كالغبرة، فذلك ترده المشاهدة، وإن كان أراد أنه يذهب بياضه في الآخرة فيسود أيضا أو تعلوه غبرة، فذلك يرده القرآن؛ لأن الله تعالى أخبر في كتابه أن ذلك من علامات الكفار، قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: ١٠٦] .

<<  <  ج: ص:  >  >>