[مسألة: تصدق رجل على رجل مفلس بدنانير ليؤديها في دينه]
مسألة قلت: فإن تصدق رجل على رجل مفلس بدنانير ليؤديها في دينه، فلم يقبل، وقال الغرماء: نحن نقبل ذلك عليه، ولا ينبغي له أن يضر بنا في رد ما تصدق به عليه؛ فقال: لا يجبر على أخذ الصدقة؛ لأنه يقول: لا ألزم نفسي مذمة، ولا أوجب لأحد علي منة، وسيرزقني الله، فأؤدي إن شاء الله.
قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في هذا الرسم، من هذا السماع، من كتاب المديان والتفليس، وهي مسألة صحيحة بينة، قد أغنى ابن القاسم عن القول فيها بنصه على العلة فيها، فإن قال الغرماء: ليس من حق المتصدق عليك أن يؤدي إلينا ديوننا عنك، فيكون عليه قد امتن بذلك عليك، ولا يكون لك في ذلك حجة، فما الفرق بين ذلك وبين أن يعطيك ما تؤدي منه دينك؛ قيل لهم: الفرق بين ذلك ظاهر بين؛ لأنه إذا أدى عنه دينه إلى الغرماء بغير اختياره، كان من حقه إذا أيسر أن يؤدي ما عليه من الديون، ويجبر أربابها على قبضها، لتزول المنة عنه في أدائها عنه، ولو قبض المفلس الصدقة التي تصدق بها عليه على أنه بالخيار في قبولها وردها، فأراد ردها، وقال الغرماء: نحن نقبلها؛ لتخرج ذلك على قولين حسبما ذكرناه في كتاب التفليس.