روى أشهب عن مالك أن ذلك له، وهو ظاهر في الوجهين جميعا؛ لأنه إذا طال عمله فيها، فقد انتفع بما أقطع ولم يستحق المعدن بالإقطاع ملكا، ولا العمل فيه حياته، لا أن يقطعه إياه حياته، فله أن يقطعه غيره، وإذا ترك العمل فيه ونبذه، فقد ترك حقه، فللإمام أن يقطعه غيره.
وأما إذا مات، فقال في كتاب الشركة من المدونة: إن للإمام أن يقطعه لمن شاء، ولم يبين إن كان قد أدرك النيل أو لم يدركه، وقال سحنون: إن كان قد أدرك النيل فليس للإمام أن يقطعه إلا لورثته، وقال أشهب: وإن مات قبل أن يدرك النيل، فورثته أحق به، وهو القياس؛ لأنه إذا قطع لغير ورثته وقد عمل فيه، ذهب عناؤه وعمله باطلا، كان قد أدرك النيل، أو لم يدركه، إلا أن يكون قد أدرك النيل، قدر له مدة لو شاء الإمام أن يقطعه لغيره قبل أن يموت، كان ذلك له، فيكون له أن يقطعه لغير ورثته، هذا هو النظر في هذه المسألة، وبالله التوفيق.
[يكري داره خمس سنين بمائة دينار فيتعجلها]
من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم
قال سحنون: وسئل ابن القاسم عن الرجل يكري داره خمس سنين بمائة دينار، فيتعجلها، فيحول الحول عليه - وهي عنده، وليس له مال غير الدار؟ قال: يزكيها لأنه كان ضامنا لها، وهي مال من ماله بمنزلة الدين يكون عليه ينظر إلى ما صار له من الكراء فيما سكن، فان كان عشرة دنانير، نظر إلى قيمة الدار، فإن كان قيمتها تسعين زكى المائة كلها؛ لأن في قيمة الدار وفاء مما عليه من التسعين؛ وإن كان قيمتها ثلاثين زكى الأربعين؛ لأنه إنما وجب له عشرة والتسعون دينا عليه، فهو يخاف على الدار أن تنهدم فيبطل الكراء فيما بقي ويرجع عليه بالتسعين؛ فإنما قومناها بعد السنة لتعرف قيمتها، وليجعل الدين فيها، ولا يكون عليه فيما بقي شيء؛ لأنه دين عليه،