وأوجب الثواب في الأعمال التي يراد بها وجهُ الله، يريد العبادات منها، لأن لفظ الأعمال هاهنا عموم يراد به الخصوص، فدل على أنه لا ثواب فيما لم يرد به وجه اللَّه من الأعمال. ومن الناس من قال: لا دليل في الحديث على ذلك وإنما هو معلوم بالإجماع. وهذا الذي قلته من أن معنى الحديث إيجاب الانتفاع بالعمل إذا قارنته النية، ونفي الانتفاع به إذا لم تقارنه النية معقول منه تجري مجرى النص في العلم به، إذ لا يصح أن يحمل على ظاهره في الإعلام بوجود الأعمال بالنيات وعدمها بعدم النيات.
وقد ادعى بعض أصحاب أبي حنيفة فيه الإِجمال بحق ظاهره، وذلك بعيد، لاستحالة حمله عليه. وهذا فيما كان من العبادات يصح أن يفعل للًه ولغير الله، أما ما كان من العبادات لا يصح أن يفعل للَّه، وذلك كالنظر والاستدلال عند من يراه أول الواجبات ولا يصح أن يفعل إِلَا للَه وذلك النية، إذ لو افتقرت النية إلى نية في لتسلسلت النيات إلى ما لا نهاية له، وذلك مستحيل، والكلام في هذا المعنى وما يتعلق به يطول فأومأنا منه إلى هذا القدر من البيان وباللَه التوفيق.
[قتل المشرك في الحرب بعد أن قال لا إله إلا اللَّه]
في قتل المشرك في الحرب بعد أن قال لا إله إلا اللَّه قال: وسمعت مالكاً قال: بلغني «أن رجلًا من المسلمين في بعض مغازي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حمل على رجل من المشركين، فلما علاه بالسيف قال المشرك: لا إله إِلَّا اللَّه. فقال الرجل: إنما تتعوذ بها من القتل فقتله، فأتى إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره، فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كيف لك بلا إله إلا اللَّه. فقال: يا رسول اللَّه إنما كان يتعوذ بها من القتل، فما زال يعيدها على النبي والنبي يعيد عليه: فكيف لك بلا إله إلا اللَّه. فقال الرجل: وددت أني أسلمت في ذلك اليوم، وأنه بطل ما كان من عملي قبل ذلك، وأني استأنفت من ذلك اليوم» .