أن ذلك يلزمه بمنزلة إشهاده بإيجاب ذلك على نفسه؛ لأنهم تركوا بوعده إياهم التوثق من غريمهم فأضرت بهم عدته إن أخلفهم فيها، وهو قول سحنون في كتاب العدة: إن العدة لا تلزم إلا أن يكون على سبب فيدخل من أجل عدته في السبب، مثل أن يقول الرجل للرجل: افعل كذا وكذا وأنا أسلفك، فيفعله، فقول الرجل للذي عليه الدين أنا أقضي عنك الدين الذي عليك يفترق عند ابن القاسم من قوله للذي عليه الدين: أنا أقضيك الدين الذي لك، لا يلزمه في الأول ويلزمه في الثاني على ما بيناه.
والرابع: أن العدة لا تلزم ولا يقضي بها وإن كانت على سبب ودخل في السبب، وهو الذي يأتي على ما روى ابن نافع عن أشهب عن مالك في أول سماع أشهب بعد هذا؛ لأنه غره بما وعده فترك أن يحتال لنفسه بما يبريه من سلف أو غيره، فكان بمنزلة من قال لرجل: تزوج وأنا أنفق عنك، أو تزوج وأنا أسلفك، فتزوج فأبى أن يسلفه، فقول ابن القاسم في هذه الرواية خلاف قول مالك فيها على ما تأولناه؛ لأنه لم ير العدة تلزم بالسبب حتى يدخل فيه، ورآها مالك لازمة بالسبب، وإن لم تدخل فيه، ولم يرها في رواية أشهب لازمة بحال، وإن دخل بالسبب، وبالله التوفيق.
[: أمة أتت إلى جارة لها بقلادة استعارتها لها فأنكرت حين جاءتها بها]
ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية وقال مالك، في أمة أتت إلى جارة لها بقلادة استعارتها لها، فأنكرت حين جاءتها بها، فقالت: ما حملك على أن استعرتها لي؟ وأنكرت ذلك وشهد عليها ناس فقبلتها منها لتردها على التي استعارتها منها، فاغتلت القلادة عندها قبل أن تردها، قال مالك: أرى أن تغرمها حين قبلتها، فلو شاءت لم تقبلها، قيل له: إن التي هي لها تزعم أنها ثمن خمسة عشر دينارا، وقالت التي قبلتها: ما ثمنها إلا ستة دنانير، قال: أرى أن تصفها التي قبلتها ثم تحلف على صفتها ثم تقوم على ذلك، ثم يلزمها غرم ما قومت به.