في التحليل من المظالم وسُئل مالك: عن قول ابن المسيب في فعله: إِنَّه كان يقول: لا أحلل أحداً، فقال: ذلك يختلف، فقلت: يسلف الرجل الذهب فيهلك، ولا وفاء له. قال: أرى أن يحلله، فإِنَّه أفضلِ عندي فإن الله يقول:{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}[الزمر: ١٨] وليس كل ما قال أحد وإن كان له فضل يتبع على ما قال. قيل له: فالرجل يظلم الرجل، قال: لا أرى ذلك، هو مخالف عندي للأول، يقول الله:{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ}[الشورى: ٤٢] ويقولُ: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}[التوبة: ٩١] فلا أرى أن يجعل في حل من ظلم.
قال محمد بن رشد: اختلف في التحليل من التباعات والظلامَات على ثلاثة أَقوال: أَحدها: إِن ترك التحليل منها أَولَى وهو مذهب سعيد بن المسيب هذا. والثاني: إِن التحليل منها أفضل. والثالث: تفرقة مالك بين التباعات والظلامات، فوجه القول الأول أَن التباعات والظلامات يستوفيها صاحبها يوم القيامة من حسنات من وجبت له عليه، على ما جاء من أن الناس يقتصُّ بعضهم لبعض يوم القيامة بالحسنات والسيئات وهو في ذلك الوقت مفتقر إلى زيادة حسناته، ونقصان سيئاته، بما له من التباعات والظلامات التي حلَّل منها، وهو لا يدري هل يوازي أجره في التحليل