جار على اختلافهم في انحلال الذمم، هل هي بمنزلة انعقادها في اعتبار الأجل في ذلك، أو ليست بمنزلتها في ذلك إذ قد تباريا؛ وقد ذكرنا هذا المعنى في رسم القبلة قبل هذا، والأظهر في هذه المسألة الإجازة؛ لأن أشهب يجيز أن يبيع الرجل سلعة بدينار إلا درهما، يتعجل الدينار والدرهم وتتأخر السلعة.
[مسألة: قلة الصير بالقلة الصير]
مسألة قال: وسألت ابن القاسم: عن قلة الصير بالقلة الصير؟ قال: لا يصلح ذلك إلا بالتحري، يريد: الصير بالصير.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الصير بمنزلة الجبن واللبن، لا يجوز إلا مثلا بمثل، فلا يجوز جزافا بجزاف، ولا جزافا بمكيل؛ ولا يجوز إلا مثلا بمثل: إما بالوزن، وإما بالتحري؛ (لأن التحري) فيما يوزن جائز، قيل: فيما قل وكثر ما لم يكثر جدا حتى لا يستطاع تحريه، وهو ظاهر هذه الرواية. وقيل: لا يجوز ذلك إلا فيما قل، وإلى هذا ذهب ابن حبيب وعزاه إلى مالك. قيل: وإن لم تدع إلى ذلك ضرورة، وهو ظاهر ما في المدونة؛ لأنه أجاز فيها أن يباع اللحم باللحم تحريا، وأن يسلف فيه تحريا.
وقيل: إنه لا يجوز إلا عند عدم الميزان، وقيل: لا يجوز وإن عدم الميزان إلا في الطعام الذي يخشى فساده، إن ترك إلى أن يوجد ميزان، وهذا في المبايعة والمبادلة ابتداء. وأما من وجب له على رجل وزن من طعام لا يجوز فيه التفاضل، فلا يجوز له أن يأخذه منه تحريا إلا عند الضرورة لعدم الميزان على ما قاله في نوازل سحنون من كتاب جامع البيوع، وبالله التوفيق.