قال محمد بن رشد: اختلف في التوجيه: فروي عن مالك أنه مستحب، وهو الذي عليه الجمهور؛ وروى علي بن زياد عن مالك، أنه قال في التوجيه: ما هو من الأمر القديم، وذلك نحو ما روي عن سعيد بن المسيب أنه أنكر ذلك على من فعله به في مرضه؛ وتأول ابن حبيب أنه إنما كره ذلك لاستعجالهم به قبل أن ينزل به أسباب الموت؛ والأظهر أنه كرهه بكل حال. والذي يدل أنه غير مشروع، أن ذلك لم يرو أنه فعل بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا بأحد من الصحابة المتقدمين الكرام، ولو كان ذلك، لنقل وذكر - والله أعلم.
وإلى هذا نحا مالك في رواية علي بن زياد، لقوله ما هو بالأمر القديم. وأما صفته عند مالك، وجميع أصحابه، فعلى جنبه الأيمن، كما يجعل في لحده، وكما يصلي المريض الذي لا يقدر على الجلوس عندهم. واختلف الذين قالوا في المريض الذي لا يقدر على الجلوس، أنه يصلي على ظهره - ورجلاه إلى القبلة في التوجيه، فمنهم من قاسه على الصلاة، ومنهم من قاسه على جعله في قبره؛ لأن المعاينة سبب من أسباب الموت. فقياس التوجيه فيها على حال الموت، أولى من قياسه على الصلاة، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة.
[مسألة: الرجلين يكونان في السفر فيجنب أحدهما ويموت الآخر]
مسألة وسئل: عن الرجلين يكونان في السفر، فيجنب أحدهما، ويموت الآخر - وليس معهما من الماء إلا ما يتطهر به واحد، قال: فالحي أولى بالماء من الميت، قيل: أيتيمم الميت؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: إنما كان الحي أولى بالماء من الميت، من أجل أن الميت لا يقاومه إياه، وإذا اغتسل الحي بالماء، كان عليه قيمة نصيب الميت منه لورثته - إن كانت له قيمة؛ وانظر لو أراد ورثته أن يقاوموه إياه، هل يكون ذلك لهم أم لا؟ وقد مضى في سماع سحنون، وموسى بن معاوية، من كتاب الوضوء، ما يوضح هذه المسألة ويبين معناه، فقف على ذلك هناك - وبالله التوفيق.