ومن كتاب البز وسئل مالك عن بيع المدر الذي يأكله الناس، فقال: ما يعجبني ذلك أن يباع ما يضر بالناس، فإنه ينبغي للإمام أن ينهى الناس عما يضرهم في دينهم ودنياهم، ثم قال يقول الله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}[المائدة: ٤] أفالطين من الطيبات؟ إني لأرى لصاحب السوق أن يمنعهم من بيعه وينهى عنه.
قال الإمام القاضي أبو الوليد: هذا كما قال: إنه إذا كان الناس يأكلونه، وهو مضر بهم، فلا ينبغي أن يباع، ويجب على الإمام أن ينهى عن ذلك، وهذا إذا لم يكن له وجه إلا الأكل؛ لأنه إذا لم يكن له وجه إلا الأكل، وكان يضر الآكلين له بكل حال، فهو كالسم الذي قد أجمع الناس على تحريم بيعه، وقال سحنون في كتاب الشرح: لا يحل بيعه، ولا ملكه.
وأما إن كانت به منفعة لغير الأكل، فلا ينبغي أن يمنع بيعه جملة، وإنما ينبغي أن يباع ممن يصرفه في غير الأكل، ويؤمن أن يبيعه ممن يأكله. وقد قال ابن المواز: أكره أكله، فأما بيعه فلا أدري، قد يشترى لغير وجه. وقال ابن الماجشون: أكله حرام، وفي احتجاج مالك بالآية التي احتج بها على أنه لا يستباح إلا ما أحل الله نحو قول ابن الماجشون. وروى عنه ابن القاسم في الجامع قال: كل أمر أحله الله فاتبعوه، ونهي نهى الله عنه فاجتنبوه، وعفو عفا الله عنه فدعوه، وقد قيل: إن المسكوت عنه مباح، وإلى هذا ذهب أبو الفرج.
وجه القول الأول من طريق النظر أنه قد ثبت أن الأشياء ملك لمالك، والأصل أنه لا يستباح ملك أحد إلا بإذنه، ووجه القول الثاني: أن خلق الله تعالى له دليل على الإباحة؛ إذ لا يجوز أن يخلقه عبثا لغير وجه منفعة، وبالله التوفيق.