على المسجد المذكور دون سائر البلدة؛ على ما قاله جماعة من المفسرين، والأصل في اختلاف أهل العلم في هذه المسألة اختلافهم في افتتاح مكة، فمن ذهب إلى أنها افتتحت عنوة، قال: إن دورها لا تباع ولا تكرى، وهو قول أبي حنيفة وجماعة سواه، ويشهد لهذا القول ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«مكة كلها مباح، لا تباع رباعها ولا تواجر» ، ومن ذهب إلى أنها مؤمنة، والأمان كالصلح، وأن أهلها مالكون لرباعها، أجاز لهم بيعها وكراءها، وهو قول الشافعي، ولا خلاف عند مالك وأصحابه في أنها افتتحت عنوة إلا أنهم اختلفوا هل من على أهلها بها، فلم تقسم كما لم يسب أهلها لما عظم الله من حرمتها؟ أو هل أقرت للمسلمين؟ فعلى هذا جاء الاختلاف في جواز كرائها في المذهب، فروي عن مالك في ذلك ثلاث روايات؛ أحدها: المنع، والثانية: الإباحة، والثالثة: كراهية كرائها في أيام الموسم خاصة.
[مسألة: ذكر الحج في القرآن]
مسألة قال مالك: الحج كله في كتاب الله تعالى، والصلاة، والزكاة، ليس لها في كتاب الله تفسير، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين ذلك.
قال محمد بن رشد: ظاهر قول مالك هذا أن الحج كله في كتاب الله تعالى مفسر، وأن الصلاة والزكاة ليستا مفسرتين فيه، وأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو فسرهما، وليس ذلك بصحيح، بل ما أتى من ذكر الحج في القرآن مفتقر إلى بيان، والتفسير الذي فسره به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبين مراد الله فيه قولا وعملا، كافتقار الصلاة والزكاة إلى ذلك سواء، ولو تركنا وظاهر ما في القرآن من أمر الحج، لما صح لنا منه امتثال أمر الله عز وجل به، إذ لم يبين فيه شيئا من صفة عمله وترتيبه في أوقاته التي لا تصح إلا فيها، وشرائطه التي لا تتم إلا بها، وسنته التي لا يكتمل إلا بها، فليس الكلام على ظاهره، وإنما معناه الذي أراده به أن الحج كله في كتاب الله تعالى، والصلاة والزكاة، تم الكلام هاهنا.